/ الْفَائِدَةُ : (17) /

21/03/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / التَّعبير السَّابق عن الماهيَّة / إِنَّ الاِستعمالات اللَّفظيَّة القديمة لا تُعبِّر عن الماهيَّة بلفظها، وإِنَّما بلفظ المائيَّة، كما جاء ذلك في بيان قوله تعالىٰ: [وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ](1) فإِنَّ أَصل مادَّة: (ماء): موه، أَي: العلم بالأَشياء. / معنى عنوان: (الماء) الوارد في بيانات الوحي / وبعبارة أُخرىٰ: أَنَّ المراد من لفظ وعنوان: (الماء) الوارد في بيانات الوحي، منها: 1ـ بيان قوله تعالىٰ ـ المُتقدِّم ـ: [وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ](2) . 2ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام: «... إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ حمل دينه وعلمه الماء قبل أَنْ تكون أَرض أَو سماء أَو جن أَو إِنس أَو شمس أَو قمر ...»(3). ليس السَّائل المعهود، بل: (ماهيَّة وأَصل الأَشياء)، وهو: (العلم)، أَي: العلم بالأَشياء. وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي، منها: 1ـ بيان الإِمام الصَّادق عليه السلام في جوابه علىٰ تساؤل الزنديق في مسائل التَّوحيد : «حین سَأَله ـ عن الباري جلَّ ذكره ـ : ... فله إِنِّيَّةٌ ومَائيَّةٌ، قال: نعم، لا يُثْبَتُ الشَّيءُ إِلَّا بإِنيَّةٍ ومَائيَّةٍ ...»(4). 2ـ بيان زيارة عاشوراء: «... لا إِلٰهَ إِلَّا الله الحليم الكريم ... ولا تُدْرِك الأَوهام حقيقة ماهيَّته ...»(5). لأَنَّ أَصل (ماء): (مَوَه)، ولتحرُّك الواو وانفتاح ما قبلها قُلِبت (أَلفاً) فصارت: (مَاه)، وحيث إِنَّ (الأَلف) خفيَّة؛ و(الهاء) خفيَّة أَيضاً أَجتمع خفيَّان ـ عين ولام الكلمة ـ ، بل الثلاثة، ثالثها: عوضٍ عن التَّنوين عند الوقف علىٰ المنصوب، فأَبدلوا من (الهاء) حرفاً قويّاً أَجلد منها وأَحمل للحركة، وهو (الهمزة) وليس بقياس، ويدلُّ عليه: قولهم في جمعه ـ بعدما كان الجمع يرجع الأَشياء إِلى أُصولها ـ : (أَمواه)، و: (مياه)، ورُبَما قيل: (امواء)، بالهمزة، وفي تصغيره: (مويه)، والنِّسبة إِليه: (مائي)، و(ماوي)، (الماهي). وعليه: يكون بين: (موه) و(المائيَّة) و(الماهيَّة) وحدة اِشتقاق مِنْ النَّحو الرَّابع التالي ذكره (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) في مسألة الِاشتقاق اللُّغوي؛ وذلك لاِشتراكها في الحروف الأَصليَّة. بل بين هذه الثَّلاثة والمشيئة وحدة اِشتقاق مِن النَّحو الخامس التالي ذكره (إِنْ شَآءَ اللَّهُ تَعَالَى) في مسألة الِاشتقاق اللُّغوي أَيضاً ؛ لِاشتراكها في حرف واحد، وهو: (الميم). وبالجملة: أَنَّ لعنوان: (الماء) الوارد في بيانات معارف الوحي ـ منها: ما تقدَّم ـ ليس السَّائل المعهود، بل له رمزيَّة عجيبة وعظيمة جِدّاً؛ فإِنَّ همزة (ماء) ليست من الحروف الأَصليَّة للكلمة فتكون مقلوبة عن (هاء)، وكذا أَلفها فتكون مقلوبة عن (واو)، فيكون أَصلها: (موه)، أَي: ماهية وأَصل الأَشياء، وهو: (الْعِلْم). ثُمَّ إِنَّ حقيقة (الْعِلْم) عَالَمٌ برأسه، مخلوق من مخلوقات عوالم الخلقة الصَّاعدة، فوق عَالَم العرش، ولحقيقته نشأة ملكوتيَّة يراها العَالِم ولا يراها الجاهل؛ لعدم تفعيله لأَبدانه وحواسها وقواها الصاعدة، فإِنّ الْعِلْم ماء حياتها، فكما أَنَّ للأَبدان الغليظة المعهودة غذاؤها وشرابها المادِّي الغليظ، وتستدام حياتها به، وتموت بتركه، كذلك حال الأَبدان الصَّاعدة وحواسّها وقواها، لكن غذاؤها : ما يناسب تلك العوالم، وهو: العِلْمُ والمعرفةُ الحَقَّةُ والاعتقاد الحَقُّ ، والتسبيح والتحميد وذكر اللَّـه الكريم، فهذا ليس غذاء الملائكة والمخلوقات الصاعدة فحسب، بل وغذاء أَبدان الإِنسان الصاعدة وحواسها وقواها. وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي، منها: بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن زيد الشحام: «في قول اللَّـه: [فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ](6) قال: قلتُ: ما طعامه؟ قال: عِلْمه الَّذي يأخذه مِـمَّن يأخذه» (7). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هود: 7. (2) هود: 7. (3) بحار الأَنوار، 3: 334/ح45. (4) أُصول الكافي، 1: 60/ح6. (5) بحار الأَنوار، 98: 325. زيارة عاشوراء، رقم: (8). (6) عبس: 24. (7) بحار الأَنوار، 2: 96/ح38